التحديات الاجتماعية والسياسية والتكاليف الاقتصادية – جهود الإصلاح العربي

مقدمة

منذ تفشي جائحة كوفيد-19 وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية الشديدة في جميع أنحاء العالم، تم وضع السياسة الاجتماعية ودور الحكومة أثناء الأزمات في صدارة المناقشات السياسية والقانونية والتنموية. لقد كشفت الجائحة عن القدرات المحدودة للاقتصادات الحرة على التعامل مع مثل هذه الأزمات، وخاصة في تخفيف الخسائر على سبل عيش الفقراء والفئات الأكثر ضعفا. لكن في الجزائر، لا يقتصر الجدل الدائر حول السياسة الاجتماعية للدولة على الوباء فحسب، بل يغذيه أيضًا الأزمة الاقتصادية، التي اشتدت تدريجياً منذ عام 2014 مع انخفاض أسعار النفط. ومع سيطرة الدولة على أكثر من 95% من الميزانية، وصلت أسعار النفط إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في عام 2021، مما أدى إلى انخفاض احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي من 200 مليار دولار في عام 2012 إلى 40 مليار دولار في عام 2021. وبسبب التضخم العالمي الحاد وفشل البرامج الاقتصادية المتعاقبة، فقد حصل الاقتصاد الجزائري على استقلال نسبي عن السوق العالمية المتقلبة والحساسة للأزمات.

في أعقاب كوفيد-19، غيّر المجتمع الدولي والمنطقة العربية توجهاتهم، ودعوا إلى مزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد لحماية الفئات الضعيفة والطبقات العاملة التي تتعرض وظائفها وسبل عيشها للخطر. لكن في الجزائر، اتخذ النقاش اتجاها مختلفا تماما، حيث دعا إلى إصلاحات في نظام الدعم من خلال خفض الأموال المخصصة للرعاية الاجتماعية واستبدال سياسات الدعم الشاملة الحالية بالمساعدات الاجتماعية التي تقودها الدولة والتي تستهدف الفئات الأكثر استحقاقا. ولذلك، في نهاية كل عام، تنتظر الأسر الجزائرية نشر قانون الموازنة العامة أو قانون الموازنة التكميلية في منتصف العام (في يوليوز)، حيث تحدد الحكومة مدى مسؤوليات الدولة في مجال السياسة الاجتماعية ومدى شدتها. من خطابها. إصلاح نظام المنح الاجتماعية. ومع ذلك، فإن العملية تنتهي دائمًا بنتيجتين:

  1. وقد ارتفعت أسعار بعض السلع المدعومة مثل الطاقة والوقود وتمت زيادة التعريفات الجمركية على السلع المستوردة، مما أثر بشكل رئيسي على الفئات الأكثر ضعفا وذوي الدخل الثابت بسبب تخفيض الدعم على هذه السلع.
  2. استحداث ضرائب ورسوم جديدة على السلع والخدمات. في حالة حدوث اضطرابات اجتماعية بسبب انتعاش أسعار الوقود أو فرض ضرائب جديدة، يتدخل الرئيس ويلغي أو يعلق الضرائب والرسوم التي تفرضها حكومته.
READ  وتمتلك أرامكو السعودية ثاني أعلى دخل صافي بقيمة 121.3 مليار دولار في عام 2023

وتعثرت محادثات الحكومة بشأن إصلاح نظام الدعم منذ سنوات، مع تقلب أسعار الوقود في السوق العالمية. وينحسر هذا الحديث مع ارتفاع أسعار الوقود، ثم يعود إلى الظهور عندما تنخفض أسعار الوقود. ومن ثم، فباستثناء خفض الدعم على بعض السلع الأساسية، توقفت الإصلاحات. لماذا فشلت الحكومات المتعاقبة في الجزائر في إصلاح نظام الدعم الاجتماعي رغم اعترافها بعيوبه وتبعاته السلبية؟ لماذا تتخلى الحكومة عن برنامج إصلاح الدعم الاجتماعي عندما ترتفع أسعار الوقود؟ ما هي الحدود المحتملة للإصلاح وما هي معوقات تنفيذه؟ ما هي الوظائف الخفية (خاصة السياسية) لنظام المنح الاجتماعية في الجزائر؟

ستتناول كل ورقة من الأوراق الأربع التالية أحد هذه الأسئلة. الآراء المطروحة ليست متطابقة تماماً، وأحياناً تختلف على بعض التفاصيل، لكنها جميعها تتناول الموضوع من زوايا مختلفة وتترك المجال للقراء لتكوين رأيهم الخاص.

نوري تريستنطلق مقالة “السياسة الاجتماعية في الجزائر: خلفية تاريخية وأيديولوجية” من افتراض أن الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية متجذر في الظروف التاريخية المحيطة بتأسيسها، واستمراريتها تتجاوز التعددية والليبرالية. أداة يستخدمها الضباط. تعتبر المنح الاجتماعية أحد ركائز الثقافة السياسية للدولة الجزائرية. ومن الصعب على أي نظام سياسي – ديمقراطي أو استبدادي، ليبرالي أو يساري – أن يزيل أو يقلل بشكل كامل من هذه الأنواع من تدخلات السياسة الاجتماعية. هذا لا يعني أن الحكومة لا تستطيع أو لن تستخدم هذه القضية كأداة سياسية، خاصة منذ أكتوبر 1988، عندما كانت تعاني من أزمة دستورية. وبالفعل، فقد تم تكريس التعددية السياسية في ذلك الوقت في دستور فبراير/شباط 1989. ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى انتقال فعلي للسلطة.

في العناصر النوعية لمقاربة اجتماعية سياسية لنظام المنح الاجتماعية في الجزائر,زين الدين خرشي وانطلاقا من المناقشة العامة المبالغ فيها لهذه السياسات والممارسات من الناحية الاقتصادية والتقنية في الجزائر، مع تجاهل وتجاهل البعد السوسيولوجي ظاهريا، فإنه يحاول وضع عدة فرضيات لتحليل إشكالية سياسة الدعم الاجتماعي من منظور علم الاجتماع السياسي . – في الإعلام والأوساط الأكاديمية – الوظيفة السياسية لجميع أنشطة وسياسات الدعم في السياق الجزائري.” ويرى أنه لا يمكن معالجة نظام الدعم الاجتماعي دون النظر في شكل السلطة السياسية وطبيعة الدولة واقتصادها السياسي وسياساتها. النموذج الاقتصادي السائد سواء في الجزائر أو غيرها. كارشي ويؤكد أن السياسة مهما كانت سخية في الجزائر، رغم مكاسبها، فإنها لا تستطيع أبدا إخفاء الوظيفة السياسية التي تؤديها. إنه نتاج ثانوي للاقتصاد الجزائري الريعي والنظام السياسي الحالي القائم على الأبوية الجديدة والزبائنية، وهو ما يميز التاريخ السياسي الجزائري الحديث.

READ  التعلم الإلكتروني من أجل استعداد أفضل للعمل

بناءً على التحليل الكمي والنوعي للإحصاءات والبيانات المالية، خبير مصرفي صلاح بوجينيايحاول على ورقته “سياسات الدعم الاجتماعي في الجزائر: الحدود المالية والميزانيات المحاسبية” لإظهار صعوبة الحفاظ على سياسة الدعم الاجتماعي بشكلها الحالي في الاقتصاد الجزائري – خاصة فيما يتعلق بالموازين المالية. ويرى أن مراجعة وإصلاح نظام الدعم الحالي أمر ضروري ضروري، لكن الإصلاح سيكون مقيدًا بعنصرين: قيود الميزانية وسقوف التمويل المتاح. تقدم بوقنيعة برامج يمكن تنفيذها إذا كانت الحكومة جادة في مراجعة نظام الدعم الحالي.

حسن هامي لقد أصبح خطاب الحكومة السنوي حول إصلاح نظام المنح الاجتماعية مع الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة “عبارة ثابتة وضرورية” في الخطاب السياسي، لكنه لم يترجم إلى خطة عمل واضحة. ويقول إن الظروف الحالية تمنع السلطات من مراجعة سياسات الدعم لعدد من الأسباب، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والسياسية الحالية (مرحلة ما بعد الحراك)، فضلا عن الصعوبات الفنية الأخرى في تنفيذ الضمان الاجتماعي المستهدف. نظام. وبعد مراجعة السياق التاريخي للدولة الاجتماعية في الجزائر، وعلاقتها بالنظام الريعي، وبنية المنح الاجتماعية، خلص إلى أن نظام المنح الاجتماعية الحالي لا يمكن إصلاحه إلا بالابتعاد عن النموذج الريعي والبيروقراطي الراسخ في الجزائر. اقتصاد. بعيداً عن التدابير التقديرية والشعبوية – إلى نموذج سوق تنافسي بخطط واضحة متجذرة في البيانات والجداول الزمنية.

بشكل عام، يسعى هذا المنشور إلى إثارة النقاش حول المنح الاجتماعية في الجزائر من خلال تسليط الضوء على العناصر المعرفية والعملية ذات الصلة. ونأمل أن تساهم في توسيع نطاق تفكيرهم حول هذه القضية المكلفة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا للسياسات العامة في الجزائر.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here